تبدأ فصول هذه المأساة ببلاغ من أحد المستشفيات الى احدى الدوريات بوجود شاب مغمى عليه ، وملقى على الأرض بجوار باب المستشفى ، وفور وصول الدورية توجه ضابط الدورية ومساعديه الى ادارة المستشفى للاستفسار عن الحادث الذي تم ابلاغهم به ، فأبلغته الادارة بأن أحد المواطنين قد أبلغهم بوجود جثة لشاب ملقى بباب المستشفى ،
وقامت ادارة المستشفى على الفور بنقله الى غرفة العناية المركزة حيث كان وما زال في غيبوبة تامة ، وأن سبب هذه الغيبوبة كما جاء بتقرير مختبرات المستشفى نتيجة جرعة زائدة من مخدر الهيروين المخلوط ثم أخذها عن طريق وريد الذراع الأيسر ، وأن هذا الشاب لا يتجاوز عمره الخامسة والعشرين من العمروتوجه ضابط الدورية مع أحد المسئولين بالمستشفى لمعاينة حالة هذا الشاب ، ولكن الأطباء المسئولين عن قسم العناية المركزة منعوه من الدخول نظرا لتدهور الحالة الصحية التي كان يمر بها ، حيث كان فاقد الوعي تماما ، أو كان بالمعنى الطبي في عداد الموتى ، ولا تظهر على الأجهزة المحاطة بجسده العاري سوى نبضات ضعيفة للغاية ، وعندئذ أبلغ الطبيب المختص ضابط الدورية بكل صراحة أنه لو مرت على الشاب الغائب عن الوعي 48 ساعة دون أن يسترد وعيه ، فانه متوفى لا محالة ، واذا مرت 48 ساعة فيمكن أن يتجاوز مرحلة الخطر ، حيث أن الجرعة التي تم حقنه بها من مخلوط الهيروين كانت كبيرة للغاية ، واعتذر الطبيب لضابط الدورية بأنه عليه أن يبدأ التحقيق معه بعد هذين اليومين اذا كان الله قد كتب له عمرا جديداهنا قام ضابط الدورية بأخذ البيانات اللازمة عن الشاب من هويته المدنية التي احتفظت بها ادارة المستشفى فور نقله الى غرفة العناية المركزة ، وقام ضابط الدورية باعطاء كافة البيانات عن هذا الشاب لضابط المباحث بالمخفر التابع له المستشفى ، وبدأ ضابط المباحث يجري اتصالا ته لابلاغ أهله عن حالته ، وكان هذا الشاب متزوجا ولديه أربعة من الأطفال ، وما ان سمعت بحاله زوجها من ضابط المباحث حتى هرولت الى المستشفى ، حيث أبلغها الطبيب بأن حالته حرجة جدا ، وأنه اذا مر يومين ولم يسترد زوجها وعيه ، فليرحمه الله وخرجت الزوجة من المستشفى وعيناها تفيض بالدموع .. ماذا تفعل !! واذا مات زوجها ، فمن سيبقى لها ولأبنائها بعد الله ؟ وذهبت زوجته الى البيت وأخذت أبنائها الأربعة ، وعادت في نفس الليلة الى المستشفى حيث يرقد زوجها في غرفة العناية المركزة ، وكانت وأبنائها الأربعة أمام غرفة العناية المركزة حيث يرقد زوجها ووالد أبنائها .. لم يغمض لها جفن ، ولم يسترح لها بال ، كانت تبكي بحرقة ، وتدعو الله أن ينقذ زوجها ويعيد اليه عافيته ، ومر يومان ، وجاء الطبيب ليبشرها بأن العناية الالهية قد أعادت الحياة لزوجها ، وهنا تساقطت الدموع بغزارة من عينيها وأخذت بدون وعي تحتضن أبنائها الأربعة .. وتدعو الله للطبيب بالبركة وطول العمر .. وأخذت تجري ومعها أبنائها لكي ترى زوجها وتطمئن عليه … كانت لحظات سعادة ما بعدها سعادة ولقد شعر الشاب بعدها بالمجهود الذي قام به الطبيب المسئول عن حالته ، وأحس بالألفة معه ، وجلس معه الطبيب ليسأله لماذا تريد أن تنتحر ؟ هل تريد من الله أن يزيل عنك نعمة الزوجة المخلصة ، وأبناءك الأربعة ؟ من الذي سوف يتولاهم بعد الله ان أراد أن ينهى حياتك ؟ هنا لم يستطع الشاب والزوج أن يتمالك نفسه ، ودخل في نوبة من البكاء الشديد ، وبعد فترة أخذ يفضفض لأخيه الطبيب عن أحواله ، ولماذا أقدم على ادمان الهيروين ، فقد كان متعثرا في دراسته في التعليم الابتدائي ، ولم يلقى أي تشجيع من أسرته على استكمال تعليمه ، وخرج من المدرسة ليتلقفه رفاق السوء بالديره ، وكان يقضي وقتا طويلا معهم ، وبدأوا بتعليمه تدخين السجائر ولاحظ أن أحد رفاقه يدخن سيجارة شكلها غريب فسأله عنها ، فأعطاها له ، وقال له انها أفضل من أي نوع من أنواع السجائر التي تدخنها ، وسأله رفاقه لماذا هي أفضل فأبلغوه أنها الحشيشة ، وأخذوا في اقناعه بفائدتها ، فأقبل على تدخين الحشيشة ، وتعود عليها حتى أدمنها ، ثم تعلم من رفاق السوء تعاطى حبوب الهلوسة ، وبعد فترة كان يسأل رفاقه عن هذه الحبوب ، وكانوا يشيرون عليه بأنها قد اختفت من الصيدليات وشعر فعلا في فترة انقطاع حبوب الهلوسة والحشيشة بأن جسمه يأكله ، وعظامه تنشر عليه ، ولكنه لم يحتمل هذه الآثار فجرى الى أحد رفاق السوء ليسأله ماذا يفعل ؟ فعرض عليه الهيروين ، وعلمه كيف يستنشقه وشعر بالسعادة واللذة والنشوة ، وتوقفت الآلام التي كان يشعر بها عند امتناعه عن تعاطي الحشيشة والحبوب المهلوسة ، ولكن الاستمرار في استنشاق الهيروين في حاجة دائمة للزيادة من جرعة الهيروين وللزيادة الدائمة أيضا من المال ، وبدأ يكذب على ابيه ويطلب منه المال ، واستمر على هذه الحال ، وبعد أن بلغ سن الثامنة عشر التحق بالعمل ، وتزوج زوجة صالحة ، وحاول الامتناع عن ادمان الهيروين فترة طويلة حتى لا ينكشف أمره في عمله ، وبين زوجته وأبناءه ، ولكنه لم يستطع أن يستمر على ذلك طويلا ، فقد زاره رفاق السوء مرة أخرى ، وراحوا يعقدون الجلسات في بيته لشم الهيروين ، حيث كانت زوجته وأولاده في بيت جدهم لأمهم ، وتطور الأمر وبدأ في ادمان مخلوط الهيروين عن طريق الغرز بالابر في ذراعه ، وذات يوم عندما كان مع رفاقه يحقنون انفسهم بابر مخلوط الهيروين ، فاذا به يسقط فاقد الوعي نتيجة الجرعة الزائدة واخذه رفاقه في سياراتهم ، وألقوه أمام المستشفى ، وهذه كانت بداية النهاية ، ولم يشعر بشيء الا بعد أن أفاق من غيبوبته ووجد أخيه الطبيب أمام عينيه ، وحوله زوجته وأبناؤه الأربعةولقد قامت المستشفى فورا بابلاغ ضابط المباحث تليفونيا بأن الشاب المطلوب التحقيق معه ومساءلته قد استرد وعيه وعافيته ، وجاء ضابط المباحث ومعه اثنان من مساعديه للتحقيق مع هذا الشاب الذي أثبتت التحاليل الطبية الخاصة بالمستشفى تعاطيه لجرعة زائدة من الهيروين ، وأثبتت التحقيقات أنه مدمن فعلا للهيروين عن طريق الحقن ، وتم اخراجه من المستشفى الى المخفر ، حيث تم التحقيق معه مرة أخرى من قبل وكيل النيابة ، الذي أنهى التحقيق معه بادانته ، ووقف أمام المحكمة التي كانت رحيمة معه من أجل مستقبله ومستقبل زوجته وأبناؤه فحكمت عليه بالايداع بمستشفى الطب النفسي في القسم الخاص بمعالجة الادمان فترة ستة أشهر ، وبعدها يعود مرة أخرى الى السجن ليقضي خمس سنوات لتنفيذ عقوبة حقن نفسه بجرعة زائدة من مادة الهيروين ، وتم الافراج عنه بعد سنة وعشرة أشهر نتيجة سلوكه الحسن داخل السجن ، وتوبته عن الاقلاع عن تعاطي وادمان المخدرات ، حيث أنه وأثناء فترة السجن التحق ببرنامج التعافي من المخدرات الذي تقوم ادارة السجن بتنفيذه ، وعاد والحمد لله لأسرته وأبنائه ، وهو أشد قوة وايمانا ، بل ورفض تكرار هذه المحنة القاسية التي مر به
تحياتي ابو بندر