يوسف العليوي
المهنة : مصور (V)
عدد المشاركات : 4283
تاريخ التسجيل : 17/12/2009
 |  موضوع: على اوراق الخريف  29/4/2012, 4:58 am | |
|  على اوراق الخريف
على أوراق الخريف بدأت
حياتي الحلوة والمرّة ..حيث كنت في السادسة من عمري وكنت العب مع اطفال
هادئين تتسم على وجوههم البراءة المشرقة والحنان الدافئ,والحب الصادق .كنا
نتبادل الضحكات البريئة في وسط الاجواء العقيمة التي كان يسودها الحزن ,
لكننا كنا نملؤها بالفرح والسرور . نحن في دار الايتام الذي كان ممتلأً
بالاحزان ,لكننا تحّملنا هذه الاعباء وسط هذه الاجواء.كنا نخرج في كل صباح
نلعب على اوراق الخريف وقد كنا ثلاثة اطفال تربطنا صداقة مليئة بالحب
والحنان, فاطمة , انور , وانا يمان . جلسنا نلعب مع بعضنا البعض , فنظرت
الى فاطمة ذات الوجه الابيض المشرق والشعر الاشقر الجميل والعينان
الزرقاوتان والخدّان المتوردان , وأما شفتاها فكانتا حمراوتان ناعمتان
وكانت هي حساسة مرهفة .وأما انور فكان حسن المظهر , اسمر الوجه وأسود
الشعر وعيناه تلمعان مثل لَمَعان النجوم في الليل . كنا أحبّاء نتبادل
الابتسامات ونتشاك الضحكات ,واستمرت الحياة في دار الايتام , دار الاحزان
والافراح معاً, فمرت الايام وضاعت الاعوام .فبعد مضي خمس سنوات , اتو أُناس
الى دار الايتام لكي يتبنّون اطفال من الدار, فدارت دائرة الحظ على صديقي
أنور الذي أحببته من كل قلب ولا زلت ألعب معه وأتشارك معه الافراح والاتراح
حتى جاء هذا اليوم فافترقنا . قد يكون التبنّي هو خلاص للأطفال الذين عاشو
في هذا السجن المرير , والآن حان الوقت لينطلقوا إلى حياة
الحرية..ليعيشوا الحياة الطبيعية .
لحسن حظ أنو أن الذي تبناه هو شخص
طيب القلب وهو أيضاً رجل كبير السن فاحش الثراء. كان هذا الرجل يعامل أنور
معاملة الابن المدلل, فقد أحبه كثيراً لأنه الابن الوحيد له , فزوجته
لاتنجب الابناء وهي مريضة عليلة الفراش, فالطبيب أخبرها بدنو أجلها. لقد
أملى أنور حياة هذين الزوجين بالفرح والسرور رغم الآلام والمتاعب اللاتي
حلت بهما في حياتهما. بعد مرور عدّة أيام , ظلت الزوجة عليلة الفراش حتى
وافتها المنية . سافر الرجل وابنه أنور الى انجلترا ليعيشا سوياً هناك ,
فلم يلبثا اسبوعاً واحداً حتى توفي الرجل جرّاء تسمم في الطعام. عاش أنور
وحيداً فورث الاموال والاملاك التي كانت للرجل ثم بعد ذلك وصلت اخباره الى
دار الايتام . ثم بعد ذلك التحق أنور بالمدرسة , فبعد مرور عدة شهور تعرّف
أنور على أصدقاء سوء, لكنه لم يعرف حقيقتهم بعد , فقد تعلّق بهم حتى صار
يتصرف مثلهم ويتخلق بأخلاقهم . لقد انقلبت حياة أنور أساً على عقب حتى
امتلأت حياته باللهو والترف فتغيّر انور كثيرا ..لا أعلم مالسبب؟؟ هو هو
المال؟! لقد وصلت اخبار انور الى دار الايتام فحزنا كثيرا عما جرى لهذا
الفتى الذي كاد ان يكون شخصاً مهماً في المستقبل المشرق ,ليبني جيلاً
واعداً,لكن الاقدار ابت ذلك .أما بعد ماحدث لأنور ..أتوا اُناس ليتبنّون
صديقتي فاطمة التي لطالما احببتها , فاطمة التي عشقتها من كل قلبي , فاطمة
التي كانت نبض قلبي وكيان عقلي ونور عيني وزهرة فؤادي وخريف روحي وربيع
عمري . لقد تم تبني فاطمة من قبل امرأة في سن الاربعين وهي امرأة تعيش في
منز لكبير وجميل .هذه المرأة يتسم على ملامح وجهها الشر والقسوة , والحيلة
والغرور,فلديها ابنتان كبيرتان وثلاثة ابناء كبار, جميع ابنائها يدرسون في
الجامعة البريطانية ..فهم مُدللون كثيراً . أخذت هذه المرأة الشريرة فاطمة
وجعلتها تعمل كخادمة في منزلها ..فبدأت تعاملها بقسوة شديدة ,هي اخذتها لا
لأنها تريد ابناء..بل لأنها تريد ان تجعلها خادمة لها ولأبنائها ..فهي
لاتريد استئجار خادمة في منزلها لأن اسعار الخدم باهض الثمن ..فهذه المرأة
بخيلة , لاأفهم هذا النوع من البشر , هل تريد هذه المرأة الشريرة المحتالة
ان تجعل فاطمة تعمل كخادمة في منزلها مدى الحياة ؟؟!! انها امرأة قذرة
وخبيثة ,عيناها تقدحان بالشر.إنها امرأة قاسية ويظهر على وجهها الجبروت
الطاغي. عيناها لاتعرفان الرحمة , صوتها عند الصراخ نشاز يثير الاشمئزاز,
من اين أتو هؤلاء البشر الذين لايعرفون معنى الرحمة ,وقلبهم لا يعرف الحب
والحنان..هل أتوا من كوكب الارض حقاً!! أم انهم يعيشون في كوكب آخر لايعرف
معنى العطف والرحمة !!..هذه المرأة القذرة الخبيثة ..اقترفت جريمة كبرى ولن
تفلت من قبضة العدالة . كانت الدار تسأل عن حال فاطمة لكن فاطمة لم تكن
تخبرهم بالحقيقة وقالت لهم انها تعيش في احسن حال .إنها طيبة القلب , لكن
هذه الطيبة أوصلتها الى حد السذاجة .فالطيبة المفرطة لامعنى لها , وقد
تؤدي بحياة صاحبها الى الهلاك , لكن فاطمة كانت تزور الدار بعض الشيء فكانت
تخبرني بالحقيقة وكان يحدث لها . كانت تقول لي كل شيء عن هذه السيدة
المتعجرفة. كانت طيبة جداً وصبورة , وكانت تعتق جان هذه السيدة قد تعطف
عليها في يوم ما. أ/ا أنا فكنت متولعاً بها , احببتها بشغف كبير وصارحتها
بحبي لها وكانت هي أيضا تحبني كثيراً . كيف لا وقد عشنا معاً في هذه الدنيا
بحُلوها ومُرّها ..لقد وعدت فاطمة بالزواج في المستقبل البعيد ..وهي ايضاً
وعدتني بذلك. أما الآن دارت دائرة الحظ الثالثة عليّ فقد جاءت اسرة مكونة
من زوج وزوجة فقط , من دون ابناء ! ..فقد أتوا ليتبنّوني ..لقد كانو طيبين
..وقد ظهر على وجههما الفراغ العاطفي لأنهم لم ينجبوا أولاد , فكان حنانهم
فارغ ,لايوجد من يُمليه. عندما رأوني لأول مرة , احسسوا بالحنان الدافئ
والحب الصادق . فقد ودّعتُ جميع من في الدار ثم ذهبتمعهما لكي نعيش حياة
تشع حناناً وردياً لاغبار عليه . في اليوم الاول من بداية حياتي معهما ,
شعرت بالحب الكبير والثقة القوية بيننا . لقد احببتهم واحبوني وأعطوني
ثقتهم وأعطيتهم ثقتي . كانو طيبين وهادئيين , احببنا بعضنا كثيراً ,
اشعروني بحنان الوالدين الذي افتقدته , صرفوا عليّ نقوداً كثيرة وأدخلوني
المدرسة فبعد مضي بضعة أيام من حياتي معهم . ذهبت لأزور فاطمة لكي أطمئن
على حالها ,فهي لاتزال على هذا الحال , تتوبخ كثيراً وتُهان كثيراً وتسمع
كلاماً مهيناً لكنها صابرة . هي لاتريد أن تذهب الى دار الايتام ,تلك الدار
التي هي في حقيقة سجن مظلم , هي لاتقدر عل فراقي , وتريد أن تراني كل
اسبوع , لكن هذه السيدة اللّئيمة لاتسمح لها بذلك, فنادراً ما أراها في هذه
الايام . بعد مرور العديد من السنين ..أصبحنا أنا وأمي وابي عائلة واحدة
مليئة بالعطف والحنان والحب والوئام ..صارت علاقتنا ببعضنا أقوى فأقوى
..فقد اشتدّ حبلُ المودة قوةً بيننا . بعد مضي بضع سنوات ..سافرت الخارج
مودعاً عشيقتي فاطمة , لكي أكمل دراستي في نيويورك مصطحباً أبي وأمي معي ,
لكني لن انسى نبض عشقي فاطمة , فقد وعدتها بالزواج منها بعد الانتهاء من
الدراسة , وبالفعل أنهيت الدراسة ثم رجعت ال وطني لكي أذهب وآخذ معي فاطمة
..وها أنا الآن احكي قصتي الطويلة وانا اقترب اكثر فأكثر من أوراق الخريف
القريبة من الدار..وفجأة وقفت متجمداً في مكاني ...فقد رأيت منظراً وحشياً
للتو..فانهمرت دموعي من عيناي وسالت على وجناتي فاحمرّت عيناي ككأنها الشمس
عند غروبها ..فبدأت عيناي تذبلان...إني أرى جثة هامدة مُلقاة على الارض
ملطّخة بالدماء..يغطي شعرها الطويل وجهها ..فأزلت شعرها من وجهها فوجدتها
فاطمة !!؟ فَدُهشت وانصدمت , فاندفعت دموعي من عيناي وتساقطت بسرعة
..وكأنها رشقٌ من ا لوابل..فاقشعر جسمي لذلك فألقيت نفسي عليها بكل لهفة
..وقبّلتها قُبلة الوداع على أوراق الخريف التي ذَرَتها الرياح بعيداً.
بقلم الكتاب:
محمد الدندن | |
|
