[size=16]القول البديع في حكم التفقيع - فرقعة الأصابع-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمـا بعد:
فإن فرقعة الأصابع من الأمور التي تقع من كثير من الناس، وكثر السؤال عن
حكمها من بعض الإخوة؛ فعزمت أن أبحث عن هذا الموضوع مفرداً إياه بمقالة
أنقل فيها ما يسَّر الله من أقوال العلماء قديماً وحديثاً.
الفرقعة في اللغة
إن الباحث في كتب أهل العلم يجد أن استخدامهم لكلمة الفرقعة قليل، وأكثرهم يستخدمون كلمة التفقيع أو التنقيض.
وتفقيع الأصابع فرقعتها، وغمزها حتى يسمع لمفاصلها صوت(1)، وجاء في "لسان
العرب" أنه صوْتُ الأَصابع إِذا ضَرب بعضها ببعض أَو فَرْقَعَها وكذا في
مختار الصحاح فقال: فقع أصابعه تفقيعاً [أي] فرقعها.
حكمها
الفرقعة في الصلاة
وكره ذلك في الصلاة من السلف -أي التفقيع- ابن عباس وعطاء والنخعي ومجاهد
وسعيد بن جبير وغيرهم، وقد ذكر من يقول بذلك ابن أبي شيبة في مصنفه في باب
أفرده لذلك يذكر لا حقاً في هذه المقال.
وقد نبه الشيخ/ علي الحلبي في مجلس من مجالس الشيخ الألباني(2) -رحمه الله
تعالى- على تشديد ابن عباس -رضي الله عنه- في ذلك، أي فرقعة الأصابع في
الصلاة، وذلك بذكره الأثر الذي في مصنف ابن أبي شيبة(3) عن شعب مولى ابن
عباس قال: ((صليت إلى جنب ابن عباس ففقعت أصابعي؛ فلما قضيت الصلاة قال: لا
أمَّ لك(!) تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة؟!)).
ولكن ليس الأمر كما قال ابن حزم في المحلى (4): " مسألة: ومن تعمد فرقعة
أصابعه أو تشبيكها في الصلاة بطلت صلاته . . ."، ولكن الغاية من فرقعتها في
الصلاة -كما نقلنا- أنها عبثٌ مكروه، وأنها لا تبطل الصلاة، قال ابن
عثيمين -رحمه الله تعالى- في مجموع فتاواه السؤال رقم 599: "فرقعة الأصابع
لا تبطل الصلاة، ولكن فرقعة الأصابع من العبث، وإذا كان ذلك في صلاة
الجماعة أوجب التشويش على من يسمع فرقعتها فيكون ذلك أشد ضرراً مما لو لم
يكن حوله أحد. . ." اهـ
وإذ نُقل كلام الشيخ العلامة ابن عثيمين، فلا نغفل أنها إذا زادت وكانت
متتابعة متوالية فشأنها كشأن أي حركة أخرى متتابعة كثيرة من ناحية أنها
تبطل الصلاة، قال المقدسي في المغني (5): " " ولا تبطل الصلاة بجميع ذلك(6)
إلا ما كان منها فعلاً كالعبث وفرقعة الأصابع إذا كثر متوالياً فإنه يبطل
الصلاة".
ا لفرقعة لقاصد الصلاة
وصرَّح النووي بكراهتها لقاصد المسجد أيضا قياساً على التشبيك، وإلى هذا
ذهب الألباني أيضاً، كما في "السلسلة"(7) حينما سئل عن تفقيع الأصابع في
المسجد فقال:" في الصلاة منهي عنه، أمَّا في المسجد فما فيه عندنا نص، لكن
ممكن هنا استعمال القياس والنظر؛ فقد ثبت النهي عن تشبيك الأصابع ليس فقط
في الصلاة، بل وهو منطلق إلى الصلاة، وهو منتظر للصلاة؛ فيمكن إلحاق فرقعة
الأصابع بالتشبيك؛ فإذا كان ينتظر الصلاة فلا يفرقع، أمَّا إذا انتهى من
الصلاة فيجوز لعدم وجود النهي في ذلك"اهـ.
وهذا ما يبدو من كلام الخطابي الذي نقله عنه شمس الحق العظيم أبادي في عون
المعبود (2/190) وهو يذكر العلة من نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-
عن التشبيك حيث قال:
"تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض والامتساك بها، وقد يفعله بعض
الناس عبثاً، ويفعله بعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجد من التمدد فيها، وربما
قعد الانسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيده يريد به الاستراحة، وربما استجلب
به النوم فيكون ذلك سببا لانتقاض طهره"
الفرقعة بعد الصلاة
كما قدمنا آنفاً، أن الفرقعة في الصلاة مكروهة عند أكثر أهل العلم، بل نقل
في المعراج الإجماع على كراهة الفرقعة والتشبيك في الصلاة، أمَّا خارج
الصلاة فقد ذهب بعض أهل العلم أنَّها تُكره أيضاً وهذا القول للإمام مالك،
ولكن الأرجح عندهم أنَّ كراهتها في الصلاة فقط، ولا تكره في غيرها.
وتكره الفرقعة خارج الصلاة لغير حاجة كراهةً تنزيهية عند الأحناف، والحاجة عندهم مثل إراحة الأصابع.
ومما سبق ذكره نجد أن لا دليل على كراهة الفرقعة بعد الصلاة، وهذا ما ذهب
إليه الشيخ الألباني -رحمه الله- حين قال في "السلسلة" (8): "فرقعة الأصابع
في الصلاة عبثٌ لا يليق بالصلاة؛ وفي ظني أن هناك حديثاً لكن ما أذكر الآن
إلاَّ أنَّه لا يصح؛ أمَّا بعد الصلاة فما فيه مانع" اهـ.
وقال أيضاً (9):" . . . أمَّا إذا انتهى من الصلاة فيجوز لعدم وجود النهي في ذلك" اهـ.
ما أفرده علماء الحديث عن الفرقعة في كتبهم ومصنفاتهم
وقد أفرد العلماء، علماء الحديث لها أبواباً في كتبهم ومصنفاتهم، نذكر بعضها وبعضاً مما حوته من الأحاديث:
جاء في مصنف ابن أبي شيبة بابٌ تفرقع اليد في الصلاة:
7280 حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن شعب مولى ابن عباس
قال صليت إلى جنب ابن عباس ففقعت أصابعي فلما قضيت الصلاة قال لا أم لك
تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة.
7281 حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال كان يكره أن ينقض الرجل أصابعه يعني وهو في الصلاة.
7282 حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كره أن ينقض أصابعه وهو في الصلاة.
7283 حدثنا جرير عن ليث عن سعيد بن جبير قال خمس تنقض الصلاة التمطؤ والالتفات وتقليب الحصا والوسوسة وتفقيع الأصابع.
7284 حدثنا وكيع عن حسن بن صالح عن مغيرة عن إبراهيم وعن ليث عن مجاهد أنهما كرها أن يفرقع الرجل أصابعه وهو في الصلاة.
وجاء في مصنف عبد الرزاق بابٌ تنقيض الأصابع في الصلاة:
3327 عبد الرزاق عن الثوري عن العلاء بن المسيب عن أبي مصعب عن ابن عباس أنه كره أن ينقض الرجل أصابعه في الصلاة.
3328 عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه كره تفقيع الرجل رقبته وأصابعه في الصلاة يعني تنقيض الأصابع.
وجاء في سنن البيهقي الكبرى بابٌ كراهية تفقيع الأصابع في الصلاة:
روينا عن بن عباس أنه كان ينهى عنه ويكرهه.
وهناك أبواب في غير هذه الكتب كالباب الذي ذكره الشوكاني في نيل الأوطار وغيره، ولم أقصد الاستيعاب في ذكر هذه الأبواب.
وأخيراً أقول: اعتبر العلماء قديماً وحديثاً أنَّ ((كثرة)) فرقعة الأصابع
مضادةً للسكينة والوقار، قال ابن القيم في الإغاثة حاكياً حال من يستمع
المعازف: "وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب، والزهزهة
والفرقعة بالأصابع" (10).
كما عدَّ القرطبي عدم فرقعة الأصابع في المساجد من تعظيم المساجد وحرمتها أنظر تفسير القرطبي (2/277).
وأوضحت دراسات قام بها باحثون وأطباء أن الصوت المرتفع لفرقعة الأصابع يكون
ناتجاً عن انخفاض حاد في الضغط خلال كبسولة المفصل تتسب في تكوين فقاعة من
السائل حول المفصل على المدى الطويل، وأن الإدمان على فرقعة الأصابع يتسبب
في خلل مزمن في المفصل يجعل الشخص غير قادر على تحريك أصابعه؛ فينبغي
الحذر من كثرة التنقيض -أي الفرقعة والتفقيع-.
الخلاصة
فرقعة الأصابع مكروهة لقاصد المسجد ولمن في الصلاة قياساً على حديث النهي
عن التشبيك، أمَّا بعد الصلاة فتجوز لعدم وجود النهي في ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[msg]اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين[/msg]
[/size]